العالم العربي أمام القدر المحتوم
كيف سيواجه الاحتلال الأمريكي للعراق
أكتوبر 2003
إن السلم الأمريكي أو باكس أمريكانا" يبدو كفرصة بعيدة المنال. في فلسطين، انتهى بقرار طرد الرئيس ياسر عرفات بإقبار فكرة "خريطة الطريق". وفي العراق، تنتشر الفوضى مع عودة الهجمات التي تستهدف المحتل، ولكن أيضا المتعاونين معه والأمم المتحدة وكل ذلك بدون استعادة السيادة للعراقيين، فإن تصويت أعضاء مجلس الأمن قرار جديد لن يكون كافيا لإخراج الولايات المتحدة من المستنقع. ولذلك، يواجه السيد جورج دبليو بوش، قبل ثلاثة عشر شهرا من الانتخابات الرئاسية، الإخفاقات الأولى لاستراتيجية المحافظين الجدد في "نشر الديمقراطية " في الشرق الأوسط. هل سيتمكن العالم العربي من أخذ زمام المبادرة مرة أخرى
"كن حذرا عما تسأل فربما تحصل عليه "، يقول المثل، ويبدو أن الولايات المتحدة قد حققت ما أرادته في العراق: انتصار ُعسكري سريع - قضى على صدام حسين وكل التهديدات التي كان يمثلها - وخطوة على طريق خطتها لإعادة تشكيل الشرق الأوسط ديمقراطيا.
وأيا كان رأي المرء في هذه الاستراتيجية، فإن واشنطن لديها بلا شك واحدة وهي استراتيجية جريئة متمثلة في قوات ضخمة تم حشدها لتحقيق أهدافها. وإذا لم يعجبنا ذلك، فإن الأمر متروك لنا لحشد قواتنا لخدمة أهدافنا. ولكن يجب علينا أيضا أن نعترف بالتفاوت الذي لا يمكن إنكاره في حجم القوات. إن غالبية دول العالم عارضت هذه الحرب، لكنهم لم يتمكنوا من وقفها. والأمر الأكثر إثارة للشفقة هو أن العالم العربي والإسلامي لم يستطع مقاومة هذا المشروع، ولم يعد لديه القوة ليجد فيه الوحدة ولا الإرادة من أجل الدفاع عن مصالحه. إن الشعارات الرنانة حول الوحدة العربية اختفت تاركة المجال للاعتراف المحبط بالضعف السياسي والاجتماعي والعسكري المنهك. وإلى أن نتغلب على هذه الثغرة الأمنية، فإن الأولويات سوف يحددها الآخرون. وبقرارها غزو العراق، وضعت الولايات المتحدة جدول أعمال عليها وعلينا التعامل معه كأمر واقع وأملنا الوحيد الممكن هو أن يستغل الحكام العرب الفرصة لإعادة تشكيل الهدف بطريقة مفيدة لشعوبهم.
ومن وجهات نظر القومية العربية الليبرالية والبراغماتية والديمقراطية، هناك حاجة إلى العديد من التغييرات في الشرق الأوسط. إن الرفض العنيد للإصلاح الديمقراطي، واستمرار الأنظمة السياسية القائمة على رجل قوي أو حزب واحد، وعدم القدرة على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الصارخة، والنفوذ المتزايد للتيارات الأصولية والجهادية، وتكاثر الأوضاع السياسية ذات الاستقطاب بين الأصولية والسلطوية العلمانية: كل هذه العناصر تساهم في رسم مشهد مؤلم للغاية. ولم تظهر هناك أي حركة قادرة على تحفيز التطور سواء كان ذلك بمبادرة من الأنظمة أو النخب أو الشارع.
في عالم يعاني من عدم استقرار الدول وعدوانية الأطراف الفاعلة التي لا تعاني عدم الاستقرار، هناك أسباب وجيهة للشعور بالرغبة في تطور المجتمعات العربية. وقد سلطت أحداث 11 سبتمبر 2001 الضوء على هذا الهاجس فأصبح في مقدمة اهتمامات الغرب. ويبدو أن الشرق الأوسط قد حل محل أوروبا كمركز للسياسة العالمية حيث الطريق هو التفرع والخيارات الحاسمة لمستقبل العالم سيتعين اتخاذها قريبا.
رؤية تم تطويرها قبل 11 سبتمبر
وبدلا من ساحة المعركة في "صراع الحضارات"، دعونا نفكر في صياغة بوتقة تنصهر فيها معايير عالمية جديدة للتوازن والتعاون. وتشمل هذه الأفكار مفاهيم الديمقراطية، والشرعية الشعبية والقانون الدولي، والدفاع عن النفس، والسيادة الوطنية، ولكن أيضا فكرة "السبق"، مع الحق في امتلاك أو استخدام أو التهديد باستخدام وسائل العنف، على نطاق محدود أو واسع النطاق، لتحقيق غايات محددة.
إنها كثير من المفاهيم التي لا يزال الخلاف قائما بشأنها، وهو أمر ليس مفاجئا. ومع ذلك، فإن المحاولة الأمريكية لفرض اتجاه على هذا التطور التاريخي، مهما كانت جريئة، فهي مليئة بالتناقضات. وهو مشروع قد تختلف آثاره الحقيقية اختلافا جذريا عن الأهداف المنشودة.
إن أكثر دوافع واشنطن إصرارا على التدخل في العراق تشمل وجود أسلحة الدمار الشامل، وعلاقات صدام حسين بتنظيم القاعدة، والتهديد الذي يشكله النظام البعثي- هي في الواقع أقل الدوافع إلحاحا. وقد تآكلت مصداقيتها المحدودة جدا عند المجتمع الدولي، إلى حد كبير، حتى في الولايات المتحدة، لدرجة أنها لا تستحق أن نتناولها بالحديث. والواقع أن أشد المدافعين عن الحرب حماسا في الحكومة الأميركية اعترفوا بأن هذه المبررات هي "مبررات للراحة النفسية " أكثر من الواقع.
ويمكن تفسير التصرف عمل الأمريكي بشكل مختلف. وتشير الحقائق الثابتة إلى أن غزو العراق يمثل الخطوة الرئيسية الأولى في إعادة رسم الجغرافية السياسية العالمية والدور الذي تعتزم الولايات المتحدة القيام به مستقبلا. وقد وضعت هذه الرؤية قبل 11 أيلول/سبتمبر، ولكن الجرائم المرتكبة في ذلك اليوم ساعدت على كسب تأييد الشعب الأمريكي وتحولت إلى حرب عالمية على الإرهاب.
نشرت استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة في شهر سبتمبر 2002. وقد تحدث الصحفي ويليام بفاف William Pfaff عن ذلك باعتباره "إدانة أمريكية ضمنية لنوع الدولة الحديث الذي يحكم العلاقات الدولية منذ عام 1648 ومعاهدة وستفاليا ...والهدف هو استبداله بمبدأ الشرعية الدولية الموجود (1). وتابع بفاف أن هذه الوثيقة "تؤكد أنه إذا قررت الحكومة الأمريكية من جانب واحد أن دولة ما تشكل تهديدا مستقبليا للولايات المتحدة، فإنها ستقرر لأن تتدخل بالقوة بشكل وقائي للقضاء على التهديد، وإذا لزم الأمر من خلال "تغيير النظام" (2) في تلك الدولة. وتدعو الوثيقة إلى ترسيخ الهيمنة الأمريكية في جميع مناطق العالم وتصر على أن الولايات المتحدة "ستتصرف بشكل وقائي"، من أجل "استباق " أعمال عدائية من جانب خصومها وردع الخصوم المحتملين عن زيادة قوتهم العسكرية.
ووفقا لهذه العقيدة السياسية، يجب على الولايات المتحدة أن تضمن بالفعل "قوة عسكرية لا مثيل لها" لكي تتمكن من فرض إرادتها في كل مكان. ولذلك، يجب عليها أن تتفادى بروز دول قادرة، من خلال أسلحتها النووية، على عرقلة أهداف أمريكا - والعراق يمثل، في هذا الصدد، بلدا رئيسيا جد هامة. ولكن الأمر يتعلق أيضا بمنع القوى النووية المتنافسة مثل روسيا أو الصين من الجرأة على التشكيك في هيمنتها العالمية الشاملة.
تمثل الحرب في العراق تتويجا لعقد من العمل الفكري والسياسي المكثف من قبل مجموعة صغيرة من المحافظين الجدد (3)، الذين شكلوا، جنبا إلى جنب مع الأصوليين المسيحيين ومناصري القوة العسكرية، تحالفا إمبراطوريا جديدا تأسس في فترة الرئيس جورج دبليو بوش.
وفي الشرق الأوسط، تنطوي هذه الاستراتيجية على تغيير جذري في مسار التاريخ من خلال تعزيز القيم السياسية والاقتصادية الأميركية، على أمل أن تتبعها قيم تكميلية - أخلاقية وثقافية وحتى دينية. ووفقا لهذا السيناريو، من المفترض أن يؤدي غزو العراق إلى وقف انتشار الأصولية الإسلامية، وإضعاف الدعم للمقاومة الفلسطينية، وجعل الفلسطينيين والعرب يقبلون خطة "السلام" على رغم أنفهم. كما يهدف إلى وضع الولايات المتحدة في قلب منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) من أجل تعزيز الانضباط في تحديد أسعار النفط الخام وتقوية الدولار بصفته عُملة محورية في العالم.
هذه رؤية جريئة تكاد تكون تبشيرية. وقد ساعد بعض العلماء مثل برنارد لويس وفؤاد عجمي في إقناع واشنطن بأن انحطاط العالم العربي غير القادر على إصلاح أحواله من شأنه أن يولد أشكالا أكثر ضراوة من الإرهاب المعادي للولايات المتحدة. والوعد الذي قطعه عصر ما بعد 11 سبتمبر هو أن القضاء على أنظمة مثل نظام صدام حسين وتحويل الثقافة السياسية في الشرق الأوسط سيحول دون حصول الجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة على أسلحة الدمار الشامل. ولذلك فإن هذه الاستراتيجية تكتسي طابع الضرورة الدفاعية.
وفي الواقع، يأتي التهديد الحقيقي من الأسلحة النووية، التي تتطلب موارد صناعية وعلمية أقل انتشارا وأسهل في الحصول عليها. تستخدم الحكومة الأمريكية مصطلح "أسلحة الدمار الشامل" للخلط بين الأسلحة النووية والأسلحة البيولوجية والكيميائية، على الرغم من أن هذه الأخيرة صعبة الاستعمال وغير فعالة ولكنها سهلة التصنيع والإخفاء ويمكن اعتبار أي بلد عربي أو مسلم لديه صناعة بدائية للمنتوجات الكيميائية أو الصيدلانية الحيوية خطيرا: فقد يمنح يوما ما الأسلحة الكيماوية إلى جماعة إرهابية يمكنها استخدامها ضد الولايات المتحدة أو حلفائها. وهذا يعادل القول لبلدان الشرق الأوسط إن تحقيق مستوى معيّن من التنمية الصناعية سينظر إليه على أنه تهديد في حد ذاته إذا لم تكن هذه البلدان منخرطة بقوة في المعسكر الأمريكي.
وبالإضافة إلى ذلك، وفي حين تطالب هذه الاستراتيجية بعدم تطوير الأسلحة النووية، فإنها تتخلى عن وسائل السيطرة على الانتشار النووي المقبولة دوليا، من خلال المعاهدات، لصالح مبدأ أكثر عدوانية وانفرادية و"وقائية" لأن مكافحة الانتشار النووي" تكرس حيازة الولايات المتحدة وحلفائها المقربين للأسلحة النووية والتهديد باستخدامها.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن القوة العسكرية هي الوسيلة الرئيسية التي تتوخاها الاستراتيجية الجديدة لتحقيق أهدافها. وإذا لم تتحالف الدول الأخرى معها فإن الولايات المتحدة ستتولى مهمة جرها و"إقناعها "، من خلال "تغيير النظام" المفروض من جانب واحد، وهو ما يتحدى بشكل صارخ القانون الدولي. إن التزام أمريكا "الإنساني" و"التقدمي" ليس سوى غلاف رسمي للغزو والهيمنة بالقوة. أما عن المشاكل السياسية والاجتماعية المحلية فهي سوف تحل بسرعة بعد عرض ساحق للقوة - اللغة الوحيدة التي تفهمها تلك الدول المارقة عن طاعة أمريكا. إن خطاب المحافظين الجدد بشأن "التحرير" و"نشر الديمقراطية" يزعم أنه قادر على هزيمة كل الثقافات العالمية.
قلق كبير أمام كل هذا الإصرار
ويمثل هذا المشروع العدواني رهانا كبيرا على فعالية التكنولوجيا العسكرية. والواقع أن المجتمع الدولي رفضها إلى حد كبير. أما بالنسبة للجمهور الأمريكي، الذي هو غامض جدا عندما يتعلق الأمر بالضحايا، فإنه لم يقبله إلا بعد أن اقتنع بوجود تهديد حقيقي وإمكانية حقيقية للنجاح. كان مؤيدو هذه الأحادية العدوانية يعرفون أنهم لن يفلحوا في التسويق لأعمالهم "في غياب حدث كارثي ومحفز – مثل الهجوم على بيرل هاربور الجديدة (4) وجاءت صدمة 11 سبتمبر فحصلوا على ما كانوا ينتظرون.
وبعد أن أسكِتت الدوائر التقليدية لمؤسسة السياسة الخارجية الأميركية فإنها بدأت تشعر أيضا ببعض الغيظ إزاء هذا القدر الكبير من القسوة. إن الجميع يدرك الخطر الذي يتضمنه مشروع زعزعة استقرار العالم العربي بأسره. حتى وزير الخارجية السابق للرئيس جورج بوش الأب، السيد لورانس إيغلبرغر، قال: إذا قرر جورج بوش إرسال قواته لمهاجمة سوريا وإيران سأكون أنا من الرأي القائل بأنه ينبغي عزله (5)، إن إيران وسوريا، وحتى المملكة العربية السعودية، التي تتعرض لانتقادات متزايدة، توجد في مرمى النيران.
إن تطور ات هذه البلدان الثلاثة سوف تؤدي إلى تفاقم التوترات في الولايات المتحدة بين التقليديين والمحافظين الجدد. وفي إيران، سوف يرغب الأوائل ل في إقامة علاقات مع الإيرانيين المعتدلين، من أجل تشجيع الإصلاح طويل الأمد للنظام السياسي، والتفاوض على حل للملف النووي، والحفاظ على إمدادات مستقرة من النفط، وعلاوة على ذلك، فالتعاون بشكل أفضل مع الشيعة في العراق. واقتناعا منهم بصعوبة القيام بعملية عسكرية ضد طهران، فإنهم يفضلون دعم التغييرات الجارية. وعلى العكس من ذلك، يفتقر المحافظون الجدد إلى الحد الأدنى من التريث اللازم للبحث عن تسوية مع هؤلاء المتدينين "غير الأصوليين" على أمل "ساذج" أن يتخلوا عن الأسلحة النووية "كما وعدوا". وهذا يشير إلى احتمال مواجهة وشيكة.
وفيما يتعلق بسوريا، تريدها واشنطن أن تتوقف عن دعم المقاتلين الفلسطينيين وحزب الله اللبناني. ولا شك أن التقليديين سيكونون على استعداد لمنحها بعض الضمانات في لبنان والجولان واستقرار النظام البعثي مقابل هذه التنازلات. ومن ناحية أخرى، يبدو أن الصقور مصممون على المواجهة، متهمين دمشق بإيواء أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام حسين، إن لم يكن هذا الأخير بنفسه. وقد ذهبت القوات الاميركية في العراق الى حد اختراق الاراضي السورية التي تعتبر "أحد أكثر حلفاء الاستخبارات فعالية لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي اي ايه) في الحرب ضد تنظيم القاعدة (6).
وتجسد المملكة العربية السعودية المعارضة الراديكالية بين التقليديين والمحافظين الجدد. فالفئة الأولى، التي تهتم قبل كل شيء بالنفط، حافظت دائما على علاقات حمائية مع النظام الملكي السعودي، الذي يضمن، منذ الاتفاق الذي أبرم في عام 1945 مع الرئيس فرانكلين روزفلت، حصول الولايات المتحدة على موارد نفطية آمنة وغير مكلفة. وتعتزم هذه الأخيرة إظهار شيء من "القسوة" تجاه الرياض، التي تتهم، بالإضافة إلى دعمها للقضية الفلسطينية والراديكالية الإسلامية، بتمويل هجمات 11 سبتمبر أو أنها كانت على علم مسبق بحدوثها. إن كون أسامة بن لادن ومعظم الخاطفين سعوديون هو دليل على مخاطر الوهابية المتطرفة والإهمال تجاه هذه الأخير خلال الحرب الباردة يدفع المحافظون الجدد الآن بأن يفصلوا بين النظام السعودي نفسه وهذا التيار الإسلامي الوهابي الذي تقوم عليه شرعية النظام نفسه ...
وهذا الهجوم الشامل وآثاره المتوقعة تقلق مؤيدي السياسة الخارجية المعتدلة. ويخشى هؤلاء، في الولايات المتحدة كما هو الحال في العالم، من أن يستفيد الأصوليون المتطرفون من أزمة تنتشر في جميع أنحاء المنطقة. لكن المتشددين لا يخجلون من فكرة الكارثة: فالنتائج السلبية القصيرة الأجل لن تؤدي إلا إلى التأكيد على الطبيعة غير الديمقراطية للأنظمة والمجتمعات التي تفرز الإرهاب وفي سلسلة من التحركات والهجمات المضادة التي ستنتشر مع مرور الوقت (7)، ستدفع الولايات المتحدة إلى توسيع المواجهة إلى أن تسود ثقافة ديمقراطية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
هل سيغير العراق مسار التاريخ؟ وإذا كان الأمر كذلك، بأي معنى؟ إن احتلال العراق وإعادة إعماره يشكلان الآن نقطة انطلاق. ويبين التاريخ مدى صعوبة استعادة الثقة وبناء مؤسسات جديدة وإشراك طوائف ت مختلفة في مجتمع متعدد الأعراق تحت سيطرة قوة أجنبية. وفي البلقان، أتاح وجود تفويض دولي واضح وإدارة مدنية تقع سلطتها على عاتق المجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة، لجميع مكونات الشعب فرصة للتعاون من أجل إعادة البناء السياسي ومنع السلطات المدنية والعسكرية من أن تصبح هدفا لأعمال المقاومة.
وتستند المهمة الأميركية الحالية إلى أساس أكثر هشاشة. إن الاحتلال الأمريكي للعراق هو نتيجة غزو أدانته غالبية دول العالم، ولم تطالب به أي طائفة وقد تدهورت البنية التحتية المدنية للبلاد: وبالتالي يجب أن تبدأ من الصفر لإعادة بنائها وتشغيلها ليستفيد منها العراقيون. وهذا ليس واضحا، لأنه لم يتم إعداد أي شيء عن فترة ما بعد الحرب. بيد أنه حتى استعادة الأمن، التي تشمل أجهزة الشرطة المحلية والنظام القضائي الوطني تتجاوز نطاق اختصاص الجيش. تمر الأحداث كما لو أن واشنطن كانت تعتقد أنها تستطيع استعادة جهاز الدولة البعثي سليما.
إن حالة الدمار التي عرفها البلد وطموح الأهداف الأميركية تتطلب التزاما ماليا وبشريا هائلا. وإذا استمرت واشنطن على طريق القرارات الأحادية، فإن هذا الجهد سوف يعتمد على مواردها وحدها. لكن نصف قواتها المقاتلة موجودة في العراق، وتقدر تكلفة الاحتلال ب 60 مليار دولار سنويا. ولن تغطي عائدات النفط هذه التكاليف لسنوات. وقد يجبرها كفاية الولايات المتحدة في الأبعاد الدبلوماسية والسياسية لعملها على الاعتماد على مدخراتها الخاصة بطريقة باهظة. ولن يرغب أحد في دعم هذا الجهد إذا احتفظت أميركا بالسلطة السياسية وحدها. ولن يمضي أي شيء قدما بدون شرعية أوسع نطاقا.
وحتى الآن ظل الحلفاء، وخاصة حلفاء "أوروبا القديمة"، الذين ظلوا غير مبالين بمطالب إرسال قوات إضافية وكأنهم ينتظرون بشكل محموم الحصول على دعوة من العالم الثالث وخاصة العالم الإسلامي قبل اقتسام العبء وفي هذه الظروف تتحول أمريكا مرة أخرى صوب تركيا. وقد أوضح بول وولفويتز مساعد وزير الخارجية لشؤون الدفاع، تصوره للديمقراطية باتهام الجيش التركي بعدم إرسال قواته منذ البداية، على الرغم من معارضة البرلمان.
إن استمرار الهجمات ضد قوات الاحتلال يجعل مشاركة البلدان الأخرى أكثر حتمية وصعوبة. ولكن قبل كل شيء هناك رد فعل الأطراف الفاعلة الاجتماعية العراقية الرئيسية هو الذي سيقرر مصير التدخل. ويثير انهيار البنية التحتية الاجتماعية غضبا تؤججه رغبة الجهود الأميركية للاحتفاظ بالسلطة كما يعبر عن ذلك تكاثر المظاهرات والدعوات إلى إنهاء الاحتلال وخاصة بعد أن أصبحت وفيات أسر بأكملها أمرا مألوفا عند نقاط التفتيش وأثناء عمليات الاعتقال. كانت المقاومة المسلحة في البداية خفيفة نسبيا ثم اشتدت وقد أصبح الجنود الأميركيون يدركون أنهم ينظر إليهم الآن باعتبارهم "محتلين" وليسوا “محررين".
وبإلغاء الانتخابات المحلية، قامت السلطات الأمريكية على عجل بتجميع مجلس الحكومة. ويختار بعض العراقيين، ومعظمهم من الشيعة، الترقب ما ستفرزه الأحداث وآخرون يغتالون المتعاونين مع المحتل الأمريكي. كيف سيكون حجم المقاومة المسلحة؟ لا أحد يعرف، ولكن سيكون من الحماقة الاعتقاد بأنها سوف تقتصر على الموالين للرئيس السابق صدام حسين أو تنظيم القاعدة أو المقاتلين العرب الأجانب. ومن ناحية أخرى، نعرف ما هي العوامل التي ستكون حاسمة: سواء تمت إعادة تشغيل البنيات الأساسية أم لا، وسواء حدثت تلبية الاحتياجات الاجتماعية الأساسية أم لا، وما إذا كانت السلطة في أيدي العراقيين أم لا، وما إذا كانت الجماعات العرقية والقبلية والإقليمية والدينية المختلفة تعامل بإنصاف أم لا.
وبعد أن قدم الأكراد أنفسهم لواشنطن كحلفاء منذ عام 1991 حيث أصبحت لهم حكومتهم، فقد كتموا حتى المطالب التي يمكن أن تبعدهم قليلا عن الولايات المتحدة أما طائفة السنة، الذين فقدوا مركزهم المهيمن، فهم يكتفون باجترار استيائهم. أن العلمانيين من المسلمين والمسيحيين يظلون حذرين من احتمال الأسلمة. أما الشيعة (60٪ من مجموع السكان)، الذين قمعوا في ظل النظام البعثي، فهم الرابح الأكبر من نظام جديد ويمكن أن يؤيدوا التدخل. ولا يمكن للمشروع الأمريكي أن ينجح بدون تعاونهم.
ثيوقراطية جديدة أم ماذا؟
وبالمثل، من غير المرجح أن تنجح المقاومة من دون الشيعة. وإذا شملتهم فإن الأميركيين لن يتمكنوا من قمعها دون تدمير البلاد، وفي الوقت نفسه، تخريب أي شرعية أخلاقية وسياسية. لكن الحكم الشيعي من شأنه أن يهدد وحدة البلاد، ويدفع الأكراد نحو المطالبة بالحكم الذاتي وينفر السنة والمسيحيين فضلا عن العراقيين العلمانيين. وبالتالي، فإن نجاح أو فشل المشروع الأمريكي سيكون على حساب التوازن الدقيق الذي سيقيمه الشيعة بين الدعم وضبط النفس والعداء.
ومن المأمول ان يعمل مجلس الحكومة العراقي المعين من طرف الولايات المتحدة والذي يتمتع بأغلبية شيعية، على إعادة الإعمار الوطني الموحد. لكن الطائفة الشيعية تفتقد للصبر. ولم يبد آيات الله في النجف، أقدس مدينة عند أهل الإسلام الشيعي، سوى ترحيبا محدودا بالوجود الأمريكي.
كان آية الله علي السيستاني، العضو الأكثر احتراما في مجلس رجال الدين الإسلامي في النجف، الحوزة العلمية، مؤيدا دائما لقيام سلطة شيعية: فقد أصدر فتوى يطالب فيها العراقيين، وليس السلطات الأمريكية، باختيار أعضاء لجنة مكلفة بصياغة دستور جديد قصد طرحه للتصويت. إن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي كان يرأسه حتى اغتياله في 29 غشت 2003 آية الله باكر الحكيم، له جناحه العسكري الخاص (لواء بدر) وكان مقره في إيران خلال فترة حكم الرئيس صدام حسين؛ وهو عضو في مجلس الحكومة. إن كاريزما الإمام مقتدى الصدر، نجل رجل الدين المحترم الذي قتله البعثيون، يتردد صداها على نطاق واسع بين الشباب والسكان الفقراء.
فهو يترأس مظاهرات ضخمة وقد تلقى رسائل الدعم من إيران، للتنديد بجبن مجلس الحكومة وأمريكا وصدام حسين، والاستعمار، ويدعو إلى نظام ديني على النمط الإيراني. غير أنه تجنب الدعوة إلى المقاومة المسلحة، التي عارضتها الحوزة.
كيف سيتم حسم النقاش بين مؤيدي الديمقراطية العلمانية ومؤيدي الثيوقراطية الدينية داخل الطائفة الشيعة، وكذلك بين الشيعة والجماعات العراقية الأخرى والسلطات الأمريكية؟ ومن خلال السعي إلى تأمين دعم الشيعة، تخاطر الولايات المتحدة بإثارة التيارات الأصولية الأخرى. وهكذا، في الحي الفقير في مدينة بغداد صدام، التي أصبحت الآن مدينة الصدر، تشارك الميليشيات المرتبطة بمقتدى الصدر، الممولة ب "أكوام الدينار" من القوات الأمريكية، بطريقتها الخاصة في فرض النظام. فهي تطالب بإشعال النار في دور السينما، وضرب بائعي المشروبات الكحولية والرجال الذين يرفضون إرسال الحية وفرض ارتداء الحجاب على جميع النساء، بمن فيهن المسيحيات، مع معاقبة "المخالفات " واللواتي لا يرتدين النقاب من النساء بالإعدام (8).
وتحيي هذه الصور الخوف من إعادة إنتاج إيران أو أفغانستان جديد. وإذا ما ساد نظام آيات الله في بغداد، فإن وحدة الدولة العراقية سوف تتعرض للخطر، والأصولية الشيعية العابرة للحدود الوطنية سوف تتمتع بتفويض مطلق، وسوف تعاني واشنطن من كارثة سياسية. وتكشف المسألة الشيعية، أكثر من أي مسألة أخرى، عن التناقض بين الهدف المعلن للولايات المتحدة المتمثل في السماح للعراق بالوصول إلى الديمقراطية والضرورة المطلقة، بالنسبة لهم، للسيطرة على العملية حتى النهاية. ولكن ماذا يمكن لواشنطن أن تنكر على الشيعة، الذين يكفي امتناعهم عن التصويت لزرع المتاعب؟
لا يمكن للبيت الأبيض أن يدع العراق ينجرف مثل أفغانستان. وهذه السابقة، شأنها شأن سابقة البلقان، تثبت ذلك: فالانتصار على جيش عسكري أسهل بكثير من بناء أمة، ناهيك عن تحويل ثقافة المنطقة برمتها. يستند المشروع الإمبراطوري المحافظ الجديد إلى نقد للثقافة السياسية العربية المعاصرة وعلى الخوف من تنامي تياراتها المتطرفة (9) والعلاج المتوخى يتجاوز بكثير مجرد الغزو. ولا يمكن التغاضي عن تعقيدات شعب ما وتعدديته واستقلاله الثقافي العنيد من خلال مخطط مستورد من مكان بعيد.
إن التحول الديمقراطي الذي يحتاج إليه الشرق الأوسط بشدة يتطلب ذكاء سياسيا وخيالا أخلاقيا. وهو ينطوي على دعم القوى التي عملت بشجاعة في هذا الاتجاه: المعارضون والصحفيون الذين يخاطرون بحياتهم وحريتهم كل يوم وكذلك الإصلاحيون الإسلاميون الذين يدافعون عن توافق الإسلام مع الديمقراطية ضد المتطرفين والجمعيات النسائية والنقابات العمالية وممثلي المجتمع المدني، الذين يناضلون من أجل الحق في تنظيم أفكارهم والترويج لها. وهذا يفترض مسبقا أن نقتنع أن الحركات السياسية الإسلامية لا تتألف بالضرورة من جهاديين عنيفين، وأنه لا يوجد سبب يمنعهم من الاندماج في السياسة الوطنية، مثل الديمقراطيين المسيحيين في أوروبا.
إن أي قوة خارجية مستعدة للتدخل في المنطقة باسم الديمقراطية يجب أن تتحاور مع هذه القوى وتحترمها وتجد معها حلولا سياسية واجتماعية واقتصادية. فهذه القوات وحدها هي التي ستفوز بمعركة الديمقراطية وستكون الحصن الأكثر فعالية ضد التطرف الجهادي. ولذلك فالأمر متروك لها وليس لنخبة صغيرة في واشنطن، لقيادة الكفاح من أجل الإصلاح في الشرق الأوسط. وبدلا من دعم حركات الإصلاح الأصلية هذه، تواصل واشنطن التحالف مع الحكومات الاستبدادية التي تخنق كل هذه التعبيرات المجتمعية، باسم "الحرب على الإرهاب"، تعزز الولايات المتحدة أجهزة الدولة الأكثر قمعا وتغض الطرف عن السجن التعسفي لكثير من “الإسلاميين".
وإذا أراد الأمريكيون من الإصلاحيين العرب أن يأخذوهم على محمل الجد عندما يزعمون أنهم ملتزمون بالديمقراطية، فعليهم أن يتوقفوا عن تشجيع الاعتقالات الجماعية والتعذيب. وإذا كانوا يريدون من القوميين العرب المعتدلين أن يأخذوها على محمل الجد عندما يزعمون أنهم قلقون بشأن مستقبل الثقافة العربية أو التهديد الذي تشكله أسلحة الدمار الشامل، فعليهم أن يتوقفوا عن دعم سياسة إسرائيل العدوانية دون قيد أو شرط، وأن يسعوا جاهدين إلى تعزيز خطة سلام تأخذ في الاعتبار الغضب الفلسطيني إزاء الاحتلال والاستعمار، فضلا عن المخاوف الأمنية الإسرائيلية.
ونظرا لمصدر مشروع المحافظين الجدد الأصلي، فإن مثل هذا التعامل المتعسف يبدو غير محتمل. ومع ذلك، إذا كانت الاستراتيجية الإقليمية الأمريكية تعمل على فرض مظالم جديدة على الفلسطينيين، فإن العديد من العرب سينظرون إليها عن حق على أنها أداة تهدف تقوية التعنت الإسرائيلي. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد من العرب أن يصدقوها حقا عندما تزعم أنها تؤيد تقرير المصير، فلا يمكنها أن تطلب من الديمقراطية العراقية أن ترتدي جلباب طغيان جديد. وإذا لم تتمكن من إظهار هذا الحد الأدنى من الاحترام للمنطقة التي تزعم أنها تريد إصلاحها، فإن التناقضات الداخلية لسياساتها سوف تصبح واضحة، خارج الدائرة الصغيرة لمراكز الفكر ووسائل الإعلام المساندة في واشنطن وكذلك لشعوب الشرق الأوسط.
ماذا بعد الفشل الأمريكي؟
ولا يمكن تحقيق الهدف الاستراتيجي لواشنطن الا إذا تحول العراق بسرعة كافية الى دولة ذات سيادة ومستقرة وموحدة وديمقراطية وغير ثيوقراطية. وهذا هو الشرط لضمان أمن الشرق الأوسط وبقية العالم، ولكن أيضا لكي يحقق المحافظون الجدد هدفهم في الحرب: التوفر على قاعدة تخدم المصالح الجيوسياسية الأمريكية ونشر الديمقراطية في العالم العربي. ولتحقيق ذلك، سيتعين على الولايات المتحدة أن تقبل خسارة الجنود والنفقات الضخمة، حتى في الوقت الذي يعيش فيه شعبها على إيقاع تخفيضات الميزانية العامة. وعلى الأرجح، فإن التفكك في نهاية المطاف للدولة العراقية، وانتشار الفقر والاضطرابات والمقاومة، وإطالة أمد الاحتلال الأجنبي، وصعود الأصولية أو بروز سلطة استبدادية، سيمثل لأمريكا فشلا سياسيا خطيرا.
وبالنسبة للعالم العربي، سيكون من الخطر الجلوس وانتظار فشل الولايات المتحدة، التي يمكن أن تؤدي، مع إطالة أمد احتلالها للعراق، إلى "تغيير النظام" في أماكن أخرى. ولكونها أهدافا محتملة لهذه الاستراتيجية الأمريكية فإن الدول العربية وجميع البلدان النامية يجب أن تأخذ زمام المبادرة السياسية والأخلاقية. لم تعد المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة والجامعة العربية وحركة عدم الانحياز، تشتغل جيدا، وهي المصممة لفترة الحرب الباردة. إن سابقة الولايات المتحدة للحرب الوقائية تهدد بأن تصبح قاعدة عالمية لمعالجة النزاعات.
ولتجنب ذلك، نحتاج إلى هياكل جديدة للتضامن تتجاوز المعايير التقليدية للعلاقات بين الدول ويجب على الدول المستقلة أن تلتزم باحترام قواعد القانون الدولي في صراعاتها، وبإدانة أي عمل عسكري وقائي، وبحرمانه من كل أشكال الدعم (منح القواعد الجوية وحقوق التحليق، وما إلى ذلك) وتعزيز الإصلاحات الديمقراطية، حتى لو تطلب ذلك "تغيير النظام". ويجب أن تكون هذه المبادرة، أكثر من مجرد معاهدة، بل منتدى لإعداد الإصلاح الديمقراطي، والإصلاح الإسلامي في العالم الإسلامي.
ومن دون تأخير، يجب على الأمم المتحدة أن تتولى المسؤولية في العراق. 10 وتفهم الولايات المتحدة الحاجة إلى ولاية دولية. وهذه خطوة إلى الأمام، ولكن ستكون هناك حاجة إلى المزيد من المبادرات.
ومن خلال "كسب" الحرب على العراق، وضعتنا واشنطن جميعا على المحك. وإذا لم تصبح بغداد، كما وعدت، قطبا مستقرا للجاذبية يحفز على إرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة ستجد نفسها ضعيفة وأكثر عرضة للخطر؛ إن آفاق الإصلاح في العالم العربي سوف تصبح أكثر إشكالية. وبالمثل، إذا لم يجد العراق والدول العربية الأخرى طريقها الخاص نحو الديمقراطية والشرعية الشعبية، فإن العواقب ستكون كارثية. إن فرص النجاح، كما حددتها أميركا لنفسها ولبقية العالم، تبدو ضعيفة. ومهما كانت نية الولايات المتحدة في غزو العراق، فهذه هي النتيجة بالنسبة لها ولنا.
(1) International Herald Tribune, 3 octobre 2002. Lire aussi Henry Kissinger, « Irak Poses Most Consequential Foreign-Policy Decision for Bush », Chicago, Tribune, 11 août 2002.
(2) Idem.
(3) Lire Philip S. Glubb, «Métamorphoses d’une politique impériale»، Le Monde diplomatique, mars 2003.
(4) Rapport du PNAC, 2000.
(5) Lawrence Eagleburger: Bush Should Be Impeached if he Invades Syria or Iran» , 14 avril 2003.
(6) Seymour M. Hersh, «The Syrian Bet: Did the Bush Administration Burn a Useful Source on Al Qaeda ?»، The New Yorker, 28 juillet 2003.
(7) Jeffrey Bell, cité par Joshua Micah Marshall dans «Practice to Deceive»، The Washington Monthly Online, avril 2003.
(8) Susan Sachs, «Shiite Leaders Compete to Govern an Iraqi Slum»، The New York Times, 25 mai 2003.
(9) Lire Edward W. Said, «L’humanisme, dernier rempart contre la barbarie »,Le Monde diplomatique, septembre 2003.